روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | اضطراب الهوية الجنسية.. أو التحول إلى الجنس الآخر!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > اضطراب الهوية الجنسية.. أو التحول إلى الجنس الآخر!


  اضطراب الهوية الجنسية.. أو التحول إلى الجنس الآخر!
     عدد مرات المشاهدة: 2986        عدد مرات الإرسال: 0

نعرض هنا موضوعاً هاماً وقضية نفسية مرضية جادة.. ليست كما قد يعتقد البعض للوهلة الأولى نوعاً من الشذوذ، ولا هي حديث عن ما يطلق عليه الجنس الثالث.. أنها شئ آخر، وقد دفعني لعرض هذا الموضوع هنا عدة حالات صادفتها بحكم عملي في مجال الطب النفسي، رغم أن هذه الحالات ليست شائعة الحدوث، ومؤخراً نشرت إحدى الصحف خبراً غريباً مضمونه أن زوجين في بريطانيا أجريت لهما عمليتان جراحيتان للتحويل إلى الجنس الآخر، فتحول الرجل إلى أنثى، والزوجة إلى ذكر، وقد تم إعادة الزواج مرة أخرى بصورة معكوسة ليكون الزوج هو الزوجة، والعكس.... كما أوردت الصحف خبراً يقول أن هيئة التأمين الصحي في بريطانيا NHS قبلت إجراء عمليات التحويل علي نفقة الدولة للراغبين في التحول من ذكور إلى إناث أو العكس لحل مشكلة هذه الحالات.. وقبل أن تزيد دهشتنا من هذا الكلام سندخل مباشرة في الموضوع..

*الجنس هو الذكورة أو الأنوثة، وتعني كلمة جنس Sex الغريزة التي تجذب أحد الجنسين إلي الآخر ومظاهر ذلك في السلوك والحياة، وتعني الإتصال الجنسي، وتدخل الكلمة في عدد من التعبيرات منها خصائص الجنس التي تميز الذكور والإناث، وصبغ الجنس هو الكروموسوم الذي يرمز له XX في الأنثى، XY في الذكر ويعتمد علي ذلك تحديد الجنس، وتوزيع الجنس في عينات الدراسة والأبحاث يعني نسبة الإناث إلي الذكور، والتربية الجنسية هي التعريف بقواعد الممارسة الجنسية عن طريق تقديم معلومات عن الجنس، وتوجد مجموعة من الإضطرابات الجنسية تشمل الإنحرافات في الدوافع والممارسة الجنسية ورد ذكرها في مواضع أخرى.

¤ اضطراب الهوية.. كيف ولماذا!؟

الهوية الجنسية Gender Identity هي تعرف الواحد منا علي نفسه، إما ذكر، وإما أنثى، ويحدث ذلك مبكراً في مرحلة الطفولة بصورة تلقائية، وتتشكل الشخصية والعلاقات والسلوك تبعاً لمعرفة كل منا لنفسه، وشكله الخارجي، وأعضائه الجنسية، وتتشكل ميوله وسلوكياته نتيجة لذلك بحيث يكون هناك الفارق المعروف لنا جميعاً بين الجنسين، أما الحالة المرضية التي نطلق عليها في الطب النفسي -اضطراب الهوية الجنسية- فإنها تعني وجود إختلاف بين التكوين الجسدي التشريحي والفسيولوجي عن التعرف النفسي للشخص علي نفسه، فبدلاً من أن يقوم الذكر بدور وسلوك يتفق مع تكوينه نجد لديه شعور دائم بعدم الإرتياح وعدم القبول لدوره وشكله الخارجي الذي يراه الناس، ويعتبر نفسه أحد أفراد الجنس الآخر رغم أن الجميع يتعرفون عليه كأحد الذكور وكل الدلائل تشير إلى ذلك!!.. ويحدث العكس بالنسبة للأنثى.

ونسبة الأشخاص من الذكور الذين يتعرفون علي أنفسهم كإناث ويسعون إلى التحول إلى الجنس الآخر هي 1 في كل 30 ألف، بينما تقدر نسبة الإناث من الفتيات اللاتي لديهم هذا الاضطراب الذي يعرف بالتحول الجنسي Transsexualism بنسبة 1 في كل 100 ألف، وهذا تقدير تقريبي يتم من واقع إحصاء الحالات من الذكور والإناث الذين يقومون بعرض أنفسهم علي أطباء بغرض إجراء جراحة تعرف بإعادة تحديد الجنس Sex Reassignment Surgery وتعني تحويل الذكر جراحياً إلى أنثى عن طريق إزالة كل الأعضاء الجنسية الذكرية منه، أو تحويل الأنثى إلى ذكر جراحياً بإجراء بعض الخطوات التجميلية لتعديل شكلها ليشبه الذكور..

¤ عوامل نفسية وراء التحول:

الأسباب وراء هذه الحالات الغريبة التي نرى فيها شاباً مكتمل التكوين مثل أي واحد من الذكور يرغب بشدة ويسعى للتحول إلى الجنس الآخر، أو فتاة تريد أن تكون رجلاً ربما تكون عوامل بيولوجية تتعلق بالهرمونات الذكرية والأنثوية، والمثال علي ذلك هو تأثير هرمون الذكورة -تستوستيرون Testosterone- علي الجهاز العصبي وخلاياه، وتأثير زيادة مستويات هرمونات الأنوثة في الذكور، وإذا ظهرت بوادر هذه الحالة في الأطفال فإن هناك إحتمالاً أن تقل مع مرور الوقت وتختفي هذه الرغبة في التحول مع البلوغ، أما الأسباب النفسية فإن منها أن بعض الأطفال تكون ظروف تنشئتهم دافعاً لتعرفهم علي أنفسهم بصورة غير واضحة، فالطفل الذكر الذي يتم تدليله بواسطة الأم، وتشجيعه علي اللعب بطريقة تشبه البنات، بإستخدام العرائس والدمى يكون عرضة لهذا الإضطراب، وتلعب الأم وعلاقتها بالطفل دوراً هاماً في ذلك منذ العام الأول حين تعطيه الإهتمام حين يقلد دور الجنس الآخر، وغياب الأب في هذه المرحلة قد يكون من العوامل النفسية وراء إضطراب الهوية الجنسية، وقد تبدأ علامات الحالة منذ الطفولة حين يقوم الأولاد بالإهتمام بملابس البنات وتقليدهن في اللعب، أو حين تقوم البنات بمصاحبة الذكور من الأطفال واللعب مثلهم وتقليدهم، وقد تكون البداية كثرة ارتداء ملابس الجنس الآخر ثم تتطور الفكرة المرضية إلى رغبة في التحول.

ومسألة التحول إلى الجنس الآخر موضوع معقد يختلف تماماً عن الشذوذ الجنسي أو الجنسية المثلية، ويختلف عن ما يعرف بالجنس الثالث الذي يتم فيه التشبه بالجنس الآخر دون وجود رغبة في التحول، ويكون التمسك بفكرة التحول من ذكر إلى أنثى أو من أنثى إلى ذكر يقين لا يتغير مهما كانت الضغوط الخارجية من الأهل الذين عادة ما يصدمهم هذا الأمر حين يشعرون انه مسألة جادة وليست مجرد فكرة بسيطة يمكن التخلي عنها بالحوار أو الإقناع.

¤ حالات التحول في العيادة النفسية:

قد يكون القلق الزائد والرغبة في البحث عن حل لهذه المشكلة المعقدة هو الدافع وراء حضور هؤلاء المرضي إلى الأطباء النفسيين، وقد يكون الإكتئاب والإحباط الذي يعاني منه المريض نتيجة لعدم تفهم الآخرين لمشكلته هو السبب، وربما يأتي بعض المرض نتيجة لضغط الأهل الذين يصدمهم ما يلاحظونه علي المريض من سلوكيات غريبة لا يعرفون لها تفسيراً، وعادة ما يتم إساءة فهم هذه الحالات والخلط بينها وبين الإنحرافات الجنسية رغم أن هؤلاء المرضي نادراً ما تكون لديهم ميول جنسية تدفعهم إلى الإنحراف لأن كل منهم يعتقد أن عليه أن يتحول أولا إلى الجنس الآخر ثم يمارس حياته العاطفية بالصورة التي يريدها هو في هذا الوضع الجديد الذي يسعى إليه.. ومن الشكاوى الشائعة لهؤلاء المرضي في العيادة النفسية نقدم هذه النماذج الواقعية:

ـ أنا في قلق وضياع ولن إرتاح أبدا إلا إذا تحولت إلى الجنس الآخر..

ـ اكره شكلي الحالي أتطلع إلى اليوم الذي أجد نفسي فيه وقد أجريت عملية جراحية لإزالة الأعضاء التي تدل علي أنني رجل، وأريد التخلص من الشعر فوق جسمي لأكون مثل أي أنثى.. وأعيش علي هذا الأمل..

ـ أنا امرأة حكم علي الزمن بالسجن في جسم رجل.. وأرغب في مساعدتي لإجراء عملية جراحية لتصحيح هذا الوضع!

وهذه مجرد نماذج مما يقوله هؤلاء المرضي، ونحن نعتبرهم مرضي بحكم عملنا في الطب النفسي رغم أن كثير من الناس ومنهم الأهل والزملاء لا يوافقون علي ما يقوله وما يفعله هذا الشخص ويرون انه شيء غريب وشاذ وغير مفهوم، أما المرضي أنفسهم فإنهم يمضون في سعيهم إلى التحول عن طريق الجراحة، وإذا لم يسعفهم الوقت ولا تتهيأ لهم فرصة إجراء هذه الجراحة -وهذا ما يحدث دائماً- فإنهم يلجأ ون إلى تناول الهرمونات لتحقيق الوضع والشكل الذي يتطلعون إليه، فالشاب الذي يتناول الهرمونات الأنثوية يكبر صدره وتتغير منحنيات جسده ويمشي بخطوة تشبه الفتيات، وهذا هو ما يريده بالضبط، وقد يؤدى ذلك إلى ظهور ميول جنسية تدفع إلى ممارسة غير سوية في نسبة 40% من الحالات، أما الفتاة فإنها تسعي إلى أن يكون مظهرها كالرجال، وصوتها خشن بإستخدام الهرمونات الذكرية، وتقوم بعصب صدرها حتى يتحقق لها الشكل الذي تريده مع ارتداء ملابس تتفق مع هذا المظهر.

¤ المشكلة.. والعلاج:

إن هذه الحالات يجب تقييمها جيداً والبحث عن أسباب أخرى لها، فقد يكون سبب الحالة ليس إضطراب الهوية بل نتيجة خلل وتداخل في الصفات الجنسية مثل إضطراب الكروموسومات، أو وجود أعضاء مختلطة نتيجة عيوب خلقية، أو تشبه بالجنس الآخر دون رغبة في التحول، وكل هذه الحالات يمكن علاجها بأساليب مختلفة، كما يجب أن نذكر هنا أن مسألة الجراحة لإعادة تحديد الجنس هي موضوع جاد يجب دراسته قبل اللجوء إليه لأن النتيجة في النهاية ليست سوى حالة مشوهة كاريكاتورية لرجل أو امرأة غير مكتملة.

وهناك كثير من المشكلات تحيط بعلاج هذه الحالات، ومن الجوانب النفسية والأخلاقية والدينية والطبية التي تواجه هؤلاء المرضي صعوبة تحقيق ما يريدون من التحول إلى الجنس الآخر، وعدم قبول الآخرين لما يحدث، ومن المنظور الديني وأخلاقيات مهنة الطب فإن الكثير من القيود يتم فرضها علي مثل هذه العمليات الجراحية لأن تركها بغير ضوابط يمكن أن تؤدى إلى مضاعفات وخيمة، لكن تبقي مشكلة علاج هذه الحالات التي تبحث عن حل لمعاناة هائلة تؤثر علي حياتهم وتحولها إلى جحيم لا يحتمل دون أن يتعاطف معهم أحد أو يتفهم مشكلتهم حتى اقرب الناس إليهم.

ويتم العلاج عن طريق تخفيف حالة القلق والإكتئاب التي يعاني منها المريض بإستخدام الوسائل النفسية في العلاج، ويجب أن يتجه العلاج إلى الأسرة أيضا لأن الأب وألام والإخوة يتأثرون في العادة بما يحدث لهذه الحالة الغريبة ونظرة المجتمع إلى هذا الوضع الغريب الذي يمثل وصمة خطيرة، أما الجراحة التي يطلق ليها إعادة تحديد الجنس SRS فإن بعض الحالات تجريها ويتم التوافق مع الوضع الجديد للحالة بعد التحول في نسبة 70% من الذين يتحولون من ذكر إلى أنثى، و80% من الذين يتحولون من إناث إلى ذكور، ويكتفي البعض بتناول الهرمونات لتحقيق الشكل الخارجي الذي يرغبون فيه، ومن القواعد التي تطبق في بعض البلدان التي تجرى فيها هذه الجراحة مرور عام كامل علي الحالة يقوم فيه المريض بارتداء ملابس الجنس الآخر والقيام بدوره قبل أن يتم إجراء الجراحة التي لا يمكن تصحيح نتائجها، وجدير بالذكر أن نسبة 2% من هؤلاء الذين يقومون بإجراء الجراحة ويتحولون إلى الجنس الجديد لا يمكنهم التوافق ويصابون بالإحباط والاكتئاب فيقدمون علي الإنتحار، وفي النهاية فإننا بهذا العرض قد نكون قد وجهنا الأنظار إلى أهمية هذا الموضوع الذي يتطلب الإهتمام بهذه الحالات والفهم بجوانبه الطبية والأخلاقية والدينية والنفسية.

الكاتي: د. لطفي عبدالعزيز الشربيني.

المصدر: موقع المستشار.